في الأسواق المالية المتقلبة، يبحث المستثمرون عن أدوات تحمي محافظهم من الخسائر المحتملة دون الاضطرار إلى التخلي عن فرص النمو. من أبرز هذه الأدوات عقود الخيار، التي تُستخدم في استراتيجيات تحوط متقدمة تتيح الحماية من الهبوط أو تحقيق دخل إضافي من الأصول المملوكة. هذا المقال يسلط الضوء على أشهر استراتيجيات التحوط باستخدام الخيارات، مثل الشراء الوقائي (Protective Put) والبيع المغطى (Covered Call)، ويوضح كيفية استخدامها في مواقف واقعية، مع مناقشة التكلفة، العائد، والقيود التي يجب وضعها في الاعتبار.
الشراء الوقائي (Protective Put): الحماية من الخسائر الكبيرة
تعتمد هذه الاستراتيجية على شراء عقد “Put” لحماية مركز استثماري قائم. فعندما يمتلك المستثمر سهمًا ويتخوف من انخفاض قيمته، يمكنه شراء خيار بيع بسعر تنفيذ محدد يمنحه الحق في بيع السهم بذلك السعر خلال فترة زمنية محددة، حتى إذا انخفض سعره في السوق.
على سبيل المثال، إذا كان المستثمر يمتلك سهمًا بسعر 50 دولارًا، واشترى عقد بيع بسعر تنفيذ 48 دولارًا مقابل علاوة قدرها 2 دولار، فإنه يضمن الحد الأدنى من قيمة السهم عند 48 دولارًا. وإذا انخفض السعر إلى 40 دولارًا، يمكنه تفعيل العقد وبيع السهم بالسعر الأعلى، مما يقلص خسائره. أما إذا لم ينخفض السعر، يخسر فقط قيمة العلاوة المدفوعة.
هذه الاستراتيجية تشبه إلى حد كبير التأمين على الأصل، إذ تسمح بتحقيق أرباح غير محدودة في حال ارتفاع السعر، مع الحد من الخسائر في حالة الهبوط. لكنها تتطلب دفع تكلفة ثابتة هي العلاوة، ما يجعلها مناسبة في بيئات السوق المتقلبة أو عند وجود مخاوف محددة من الانخفاض.
البيع المغطى (Covered Call): الدخل مقابل التنازل عن الارتفاع الكامل
يستخدم المستثمرون هذه الاستراتيجية عندما يمتلكون سهمًا ويتوقعون أن يبقى سعره مستقرًا أو يرتفع بشكل محدود. فيقومون ببيع عقد “Call” بسعر تنفيذ أعلى من السعر الحالي. وبهذا يحصلون على علاوة مقابل التزامهم ببيع السهم بذلك السعر في حال طلب المشتري تنفيذه.
مثال شائع هو امتلاك 100 سهم من شركة معينة بسعر 30 دولارًا، وبيع “Call” بسعر تنفيذ 33 دولارًا مقابل 1.5 دولار كعلاوة. إذا ارتفع السهم إلى 32 دولارًا، يحتفظ المستثمر بالعلاوة ولا يُطلب منه بيع السهم. أما إذا تجاوز السهم 33 دولارًا، فسيُطلب منه بيعه بذلك السعر المحدد، مما يعني أن أرباحه محدودة بسعر التنفيذ زائد العلاوة.
البيع المغطى لا يحمي من الخسائر في حال انخفاض السعر، لكنه يوفر دخلًا إضافيًا منتظمًا يقلل من أثر التقلبات الخفيفة. وتُستخدم هذه الاستراتيجية غالبًا مع الأسهم المستقرة أو في الأوقات التي لا يُتوقع فيها تحرك كبير للسوق.
المقارنة بين الاستراتيجيتين
بينما توفر استراتيجية الشراء الوقائي حماية قوية من الهبوط الحاد، إلا أنها تتطلب دفع تكلفة مقدمة (العلاوة) دون ضمان الاستفادة منها. في المقابل، استراتيجية البيع المغطى تحقق دخلًا مباشرًا لكنها تحد من الأرباح وتبقي المستثمر معرضًا للخسارة في حال انخفاض السعر.
الاختيار بين الاستراتيجيتين يعتمد على هدف المستثمر من العملية، وشهية المخاطرة، وتوقعاته المستقبلية لحركة السهم أو السوق عمومًا. إذا كان الهدف الأساسي هو تجنب الخسارة الكبيرة، تكون “Put” الوقائية هي الخيار الأمثل. أما إذا كان الهدف هو زيادة العائد على سهم يُتوقع بقاؤه ضمن نطاق سعري محدود، فإن البيع المغطى يكون أكثر فاعلية.
استراتيجيات بديلة للتحوط
توجد كذلك أدوات أخرى قد تناسب احتياجات تحوط محددة. على سبيل المثال، يمكن استخدام استراتيجية الطوق (Collar)، التي تجمع بين شراء “Put” وبيع “Call” على نفس السهم، مما يقلل التكلفة الإجمالية للتحوط، لكنه في المقابل يحد من الربح المحتمل. هناك أيضًا استراتيجية Bear Put Spread، التي تعتمد على شراء وبيع عقود بيع بسعرين مختلفين، وتوفر حماية جزئية بتكلفة منخفضة نسبيًا. كما أن بعض المستثمرين يفضلون الـ Married Put، والتي تُستخدم عندما يتم شراء السهم والعقد التحوطي في نفس اللحظة، كجزء من استراتيجية مبدئية.
الاعتبارات المالية: تكلفة التحوط وتأثيرها على العائد
التحوط ليس مجانيًا. فالعلاوة المدفوعة لشراء خيار “Put”، أو الربح المحدود في “Call” المغطى، يمثلان تكلفة يجب تقييمها بعناية. قد يفوّت المستثمر أرباحًا أكبر لو ارتفعت الأصول بقوة، أو قد يدفع علاوة دون استخدام الخيار في حال لم يتحقق الهبوط المتوقع.
كذلك من المهم الانتباه إلى العمر الزمني للعقد، إذ أن جميع عقود الخيارات تنتهي في تاريخ محدد، مما يتطلب توقيتًا دقيقًا واختيارًا استراتيجيًا للمواعيد المناسبة للتحوط.
وعلى الرغم من وجود أدوات أخرى أكثر تعقيدًا، فإن استراتيجيات التحوط البسيطة باستخدام الخيارات تبقى خيارًا فعالًا ومرنًا للعديد من المستثمرين الأفراد والمؤسسات. لفهم أعمق حول تقنيات إدارة المخاطر المتقدمة، يمكن زيارة هذا الدليل الشامل عن صندوق التحوط الذي يوضح كيف يمكن بناء نظام تحوّط احترافي.
التحوط باستخدام عقود الخيار لا يهدف إلى منع الخسائر بالكامل، بل إلى السيطرة عليها ضمن حدود مقبولة. من خلال الفهم الدقيق لهذه الأدوات، يستطيع المستثمر أن يحافظ على مراكزه مفتوحة للاستفادة من فرص النمو، مع تقليل أثر الصدمات السوقية المفاجئة.